الثلاثاء، 30 نوفمبر 2010

غزة.. كهرباء مسلوبة و"تكنولوجيا الشمس" مفقودة!!


عانى المواطن في غزة من مشكلة الكهرباء باعتبارها أقوى المشاكل التي واجهته منذ تدمير (إسرائيل) عدداً من محولات محطة توليد وتوزيع الكهرباء وسط القطاع عام 2006، وتفاقمت حِدة الأزمة إثر الحصار الذي شدد بعد أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط على الحدود الجنوبية للقطاع عام 2007، وقرار تقليص الوقود "الداخل" للمحطة بعد ذلك، ومنع الغاز المستخدم للطهي لفترات طويلة أيضا.
ولأن الحياة في غزة اعتمدت على الكهرباء بشكل كبير، حتى أصبحت عبارة "الكهرباء عصب الحياة" توازي بأهميتها عبارة " الماء سر الحياة" عند المواطن الغزي، كان التركيز على إيجاد حلول للأزمة كبيراً، "فأُوجدت" المولدات الكهربائية التي حلت جزءا منها وسببت أخرى، تتمثل بالصوت المزعج والرائحة.
وكحل للمشكلتين السابقتين ظهرت العديد من الإبداعات الفلسطينية كابتكار بطاريات تماثل المولدات الكهربائية سابقة الذكر بالقدرة التشغيلية ولكن بدون صوت أو رائحة، وبأسعار عادية، فكان التحدي الذي برع فيه المواطن الغزي، إذ ووجه الحصار والمنع "الجائر" بقدرات مذهلة وبسيطة.
وما يمكن الحديث عنه باستفاضة وفخر، إنجاز "فلسطين" لمشروعات تعتمد على الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء، رغم أنها كانت على نطاق ضيق، وبجهود شخصية في قطاع غزة، إلا أن نتيجتها جيدة وتُحسب لأصحابها.
صحيفة "فلسطين" بحثت في إمكانية إنجاز مشروع تشغيل الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية على مستوى أوسع وأكبر، وتساءلت عن الأسباب المنطقية لعدم تطبيقها رغم الحاجة لها والإمكانية المتاحة لتنفيذها.. وفي التحقيق التالي نتعرف من خلال تجارب حية على إمكانية عمل الخلايا الشمسية التي تستخدم كعامل أساسي في توليد الطاقة الشمسية، والتكلفة العامة لها، والفُرص المتاحة لنجاحها في القطاع.. والتفاصيل تتبع.
على نطاق شخصي..
أستاذ الكيمياء السابق في غزة محمود شاهين، صاحب أول بيت يُضاء بالطاقة الشمسية في القطاع، أكد لـ"فلسطين" أنه بدأ العمل بمشروعه قبل عشرين عاماً من الآن، وهو الآن يضيء بيته بالكامل باستخدام ثلاث مرايا شمسية اشتراها من تاجر "لا يعرف أهميتها" داخل الأراضي المحتلة عام 1948م.
وكان السبب الأول وراء بحث شاهين عن طُرق بديلة لتوليد الكهرباء، هو أنه يطمح للتخلص من التعسف (الإسرائيلي) الذي سيطر على توزيع وتوفير الكهرباء للمناطق المحتلة، وكان القطاع مُحتلا بالكامل قبل أكثر من عشرين عاما من الآن.
لدى شاهين ثلاث مرايا شمسية تولد 220 فولت باستخدام المحول، ويضيء بيته بعد انقطاع التيار الكهربائي بعد 1/1000 في الثانية إذ تتحول الشبكة تلقائياً إلى النظام الشمسي
عن ذلك قال :" اشتريت ثلاث مرايا شمسية من تاجر داخل الخط الأخضر، وكان ثمن الواحدة فيها 200 دينار أردني، رغم أنها تساوي الكثير، وبدأت المشروع بتشغيلها فترات محدودة إذا انقطع التيار الكهربائي".
ملكَ شاهين في بداية إنجازه للمشروع شبكتين للكهرباء في بيته، إحداهما من "البلدية" تُفصل عنه أو توصل وفق قانون الاحتلال ورغبته، والأخرى " لا يتحكم فيها غيره، وهي شبكة الطاقة الشمسية" وفق قوله.
كانت الطاقة التي تصل منزله باستخدام المرايا الشمسية 120 فولتاً، تضخمت باستخدام المحول إلى 220 فولتاً، بحيث لم يعد بحاجة إلى شبكتين للكهرباء، وصار بيته يضيء بعد انقطاع التيار الكهربائي من البلدية بعد 1/1000 في الثانية، إذ تتحول الشبكة تلقائيا إلى "نظام الطاقة الشمسية".
وتعمل الخلايا الشمسية وفق شاهين، على ثلاث مراحل، هي بالترتيب :" تحرير الالكترونات المُكونة للمرايا الشمسية إثر تعرضها لأشعة الشمس، والتي تتجمع بعد ذلك مكونة التيار الكهربائي، ومن ثم تخزن في بطاريات لحفظها، وفي المرحلة الثالثة يُشغل فيها المنزل"، وبإمكان ثلاث مرايا شمسية توليد 13 فولتاً من الكهرباء، كفيلة بإنارة البيت وتشغيل التلفزيون والثلاجة.
وباستطاعة شاهين تبعا له، إنارة 7 لمبات ومروحة وتلفزيون وريسيفر في منزل بمساحة 150 متراً، بتكلفة 400 دولار فقط، وهو سعر معقول لـ"3 مرايا شمسية وبطارية ومحول".. وتجدر الإشارة إلى أنه من الممكن إنشاء محطات شمسية كبيرة تولد كميات كبيرة من الكهرباء، وتباع للمواطنين بأسعار معقولة.
"الحل".. ترشيد الاستهلاك
وما يمكن الإشارة إليه من باب التأكيد، أنه إن نجح مشروع إنارة بيت شاهين بالطاقة الشمسية، فلماذا لا تشغل حضانات الأطفال وأجهزة التنفس الصناعي في المستشفيات على الطاقة الشمسية، وهو بالتأكيد يُعد مكسبا لا بأس به.
من جهة أخرى، يعتبر البعض أن استغلال الطاقة الشمسية لإنشاء محطات توليد كهرباء كمحطة توزيع وتوليد الكهرباء الموجودة في غزة، "ترف" لا يمكن تحمل تكلفته المالية، إذ إنه من الصعب تحقيقه على مستوى القطاع الذي يعاني من صِغر المساحة، وقلة الإمكانات.
مدير العلاقات العامة في شركة توزيع الكهرباء م.جمال الدردساوي، كان رأيه بأن ذلك "ترف" مشيرا إلى أن كمية الكهرباء التي يحتاجها أهالي القطاع أكبر بكثير من تلك التي يولدها مشروع "الطاقة الشمسية".
مشروع الطاقة الشمسية يحتاج إلى مساحات واسعة وتكلفة مالية ضخمة، كما أن الصعوبة التي تلحق تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية تقابلها سهولة الحصول على الكهرباء الناتجة عن احتراق الوقود الدردساوي
واستدرك :" يمكن تنفيذ هذه المشاريع على مستوى الأشخاص، أو المشروعات المحدودة، وهي توفر على الشركة بعضا من الجهد"، مشيرا إلى نظام "الحمامات الشمسية" الذي كان أهالي القطاع يعتمدون عليه في فترة الثمانينيات باعتباره واحدا من أساليب الترشيد باستخدام الكهرباء، ووسيلة نظيفة وجيدة لاستغلال الطاقة الشمسية.
وأكد على أن الصعوبة التي تلحق تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية تقابلها سهولة الحصول على الكهرباء الناتجة عن احتراق الوقود، لافتا إلى أن القطاع إن تحسن إنتاج الشركة فيه لن يكون بحاجة لمصادر طاقة جديدة..
إذن يرى م.الدردساوي أن فكرة تنفيذ مشروع "الطاقة الشمسية" صعبة التحقيق على مستوى واسع .. في حين كانت هناك تجارب لاستغلالها على نطاق ضيق.. فهل يمكن "علميا" تحقيق ذلك على مستويات أوسع وأكبر؟!!
التصميم الخاطئ أفشلها!!
رئيس قسم التكنولوجيا والمعلومات في مستشفى النصر م.شادي البرقوني، عرف الطاقة الشمسية بأنها :" الطاقة التي تكون مصدرها الشمس وتحول إلى طاقة كهربائية أو حرارية، ويمكن الاستعاضة عنها الطاقة الكهربائية الناتجة عن احتراق الوقود".
وكتفسير للطريقتين التي يمكن استغلال حرارة الشمس فيهما، فسر م.البرقوني قائلا :" المرايا الشمسية تحرر الالكترونات المكونة لها، وبالتالي تنتج الكهرباء، في حين تعمل الغلايات الشمسية على إيجاد بخار الماء الذي يشغل توربينات تولد بدورها الكهرباء".
وعن إمكانية تحقيق أحد المشروعين في غزة، قال :" القطاع يستقبل طاقة شمسية قادرة على تشغيل 5.4 كيلو واط في اليوم، وهذه نسبة أكثر من جيدة لإنجاز المشروع"، مشيرا إلى النجاح الجزئي لمشروع إنارة وادي غزة باستخدام الطاقة الشمسية قبل 6 أعوام، وهو مشروع ثبتت فيه الخلايا الضوئية على 10 أعمدة إنارة، وفشل تبعا للبرقوني نتيجة التصميم الخاطئ، والسرقة التي تعرضت لها الخلايا الشمسية أثناء الحرب الأخيرة على غزة.
ورجوعا إلى إمكانية تحقيق ونجاح المشروع، خاصة أنه من أكثر المشروعات تكلفة، قال م. البرقوني :" في أول مراحل تنفيذ المشروع تكون تكلفته مرتفعة جدا، إذ إن سعر الخلايا الشمسية أصلا مرتفع، ناهيك عن التمديدات والبطاريات المستخدمة والمحولات، ولكن في مرحلة متقدمة تكون تكلفتها رخيصة، فهي لا تحتاج أكثر من صيانة إذا كان تصميمها جيداً".
القطاع يستقبل طاقة شمسية قادرة على تشغيل 5.4 كيلو واط في اليوم، ومشروع زراعة الخلايا الشمسية يمكن أن ينجح إذا ما توفرت الإمكانيات المادية في أول مراحل تنفيذ المشروع، والمساحة الواسعة بنحو 30 – 50 دونماً م.البرقوني
وتابع :" إمكانية نجاح المشروع قوية نظرا لجو القطاع، ولكنها تحتاج إلى توفر المواد اللازمة لذلك، وتركيبها وفق تصميم مناسب لطبيعة فلسطين، وهي إن نفذت فعلا تخفف عن شركة الكهرباء، ولا تستبدلها، فبإمكانها أن تغطي كهرباء أجزاء من القرى أو المدن فقط".
مشيرا إلى أن توفير أراض لزراعة الخلايا الشمسية من أهم المشكلات التي تواجه القطاع، إذ أن توفير مساحة 30 أو 50 دونماً لذلك أمر صعب تحقيقه في قطاع غزة الصغير نسبيا، هذا إذا لم تكن هناك فرصة لاستخدام واجهات المباني المصممة بميل معين، أو استغلال الأسطح لذلك.
أكثر أمناً..
وإن كان حديثنا عن إمكانية حقيقية لتنفيذ المشروع على مستوى محلي على الأقل، من الضروري الإشارة إلى أن الكهرباء "الشمسية" أكثر أمنا من كهرباء "الوقود"، إذ إنها تعتبر كهرباء ساكنة بقدرة 42 فولتاً، تُخزن في بطاريات، ومن ثُم تحول إلى 220 فولتاً باستخدام العاكس (المحول)، وفق م.البرقوني.
وبعيدا عن الاستخدام الشخصي، فإن مساحة 10 دونمات في الضفة الغربية بصدد استقبال مشروع توليد الطاقة الكهربائية عن طريق الطاقة الشمسية بحجم 300 إلى 500 كيلو واط، تبعا لمدير المركز الفلسطيني لأبحاث الطاقة م.أيمن إسماعيل.
10 دونمات مزروعة بالخلايا الشمسية كفيلة بتوليد 300 إلى 500 كيلو واط، ولكن التكلفة عالية إذ أن سعر 1 واط يبلغ 5 دولارات، ويزداد الثمن 40% في حال استخدمت البطاريات م.إسماعيل
المشروع المراد تنفيذه في أريحا من المفترض أن يغذي المنطقة الزراعية الصناعية فيها بثماني ساعات يوميا من الطاقة، في حال عدم وجود بطاريات لتخزين الطاقة، أما في حال توفرها فإنها تعطي الطاقة طوال اليوم.
وعن التكلفة الاقتصادية التي تُنفذ فيها مشروعات بهذا الحجم، قال م.إسماعيل :" تكلفتها عالية إلى حد كبير، إذ إن سعر 1 واط يبلغ 5 دولارات، ويزداد الثمن 40% في حال استخدمت البطاريات"، مستدركا :" ساعدتنا المنحة اليابانية على البدء بتنفيذ هذا المشروع الذي يوفر كمية لا بأس بها من الطاقة، ولكنه لا يغني عن الكهرباء المستخلصة من المولدات".
وإذا كان مشروع كذلك يمكن إنجاحه في أريحا، فإن أجواء القطاع تسمح كذلك بتنفيذ مثيله، ولكن المشكلة تكمن في عدم توفر مساحات جيدة من الأراضي، عدا عن التكلفة الكبيرة، وعدم ضمان سلامة المشروع من أي اعتداء (إسرائيلي)..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق